اقتصادات الخليج عام 2024: التغلب على التحديات وتعزيز النمو
جدول المحتوى
كان على اقتصادات الخليج أن تتعامل مع نصيبها العادل من التحديات في عام 2024، لا سيما فيما يتعلق باعتمادها على النفط وانخفاض أسعار النفط. وأثر الانخفاض غير المتوقع في استهلاك النفط في الصين على تقلبات أسعار النفط، مما دفع وكالة الطاقة الدولية إلى مراجعة تقديراتها للطلب العالمي والصيني على النفط، مسجلة انخفاضًا يقارب 300 ألف برميل يوميًا.
وتستهلك الصين، أكبر مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة، 16.6 مليون برميل يوميا، مقارنة بـ 19 مليون برميل يوميا في الولايات المتحدة، و5.4 مليون برميل يوميا في الهند، و3.4 مليون برميل يوميا في اليابان. تصدر دول الخليج المنتجة للنفط في المقام الأول إلى الدول الآسيوية، بما في ذلك الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، مما يعرضها للتقلبات الاقتصادية في آسيا.
ويتزامن ذلك مع انخفاض كبير في صادرات النفط إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بسبب زيادة الإنتاج المحلي والواردات من الدول المجاورة المنتجة للنفط في أمريكا اللاتينية.
وفق رؤية الأعمال في الخليج العربيبلغ الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية في عام 2024 1.1 تريليون دولار، والإمارات العربية المتحدة 545 مليار دولار، وقطر 221.4 مليار دولار، والكويت 161.4 مليار دولار، وعمان 110 مليار دولار، والبحرين 47 مليار دولار. وتباينت معدلات النمو بشكل كبير: السعودية وقطر 1.5%، الإمارات العربية المتحدة 4%، عمان 1%، البحرين 3%، بينما سجلت الكويت معدل نمو سلبي قدره -2.8%.
وتسلط هذه الفوارق الضوء على اختلاف وتيرة النمو في اقتصادات الخليج، حيث تنفذ بعض الدول مشاريع استراتيجية مستمرة ومبادرات للتنويع الاقتصادي للمساعدة في تعزيز القطاع الخاص. وتستند هذه التقديرات إلى بيانات صندوق النقد الدولي.
ل إنه من ناحية أخرى، قدرت الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية نمو البلاد بنسبة 2.8% في الربع الثالث من عام 2024، مع نمو القطاع النفطي بنسبة 0.3% والقطاع غير النفطي بنسبة 4.2%. ويعكس هذا تحسناً ملحوظاً في القطاعات غير النفطية، بما يتماشى مع أهداف التنويع الاقتصادي لرؤية 2030 وتقليل الاعتماد على النفط.
التنويع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية
أصبح التصنيع صناعة رئيسية في المملكة العربية السعودية، حيث يمثل 47٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وتشمل الصناعات الرئيسية الأسمنت والمعادن والأسمدة وإنتاج النفط والبتروكيماويات. وساهمت الخدمات بنسبة 44.9%، في حين شكلت الزراعة 2.7%.
وينبع هذا التقدم من استراتيجيات التنمية في إطار رؤية 2030، التي تشجع استثمار القطاع الخاص في القطاعات الحيوية، مما يخلق فرص عمل للمواطنين. نفذت المملكة العربية السعودية أيضًا سياسة نقدية تحفيزية، حيث خفضت سعر الفائدة إلى 5.25٪ لتسهيل التمويل الفعال من حيث التكلفة للشركات.
وظل التضخم في السعودية متواضعا في 2024، حيث وصل إلى 2% في نوفمبر، بحسب الهيئة العامة للإحصاء. وتعكس هذه المؤشرات الأداء الإيجابي وإمكانية التوسع في مختلف القطاعات، بما يتماشى مع الاتجاهات السائدة في اقتصادات الخليج الأخرى.
الكويت تحتاج إلى المزيد من الإصلاح
لا تزال الكويت تعاني من تداعيات السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها منذ عقود على الرغم من تمتعها بعائدات نفطية هائلة. تجاوزت النفقات الحكومية للسنة المالية 2024/2025 24 مليار دينار كويتي (78 مليار دولار).
قدمت الحكومة الجديدة مبادرات لخفض الإنفاق وتقليص البرامج غير الأساسية، بما في ذلك برنامج التأمين الصحي للمتقاعدين “عافية”، الذي يمنح إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الخاصة. ل إنه ومن ناحية أخرى، أكد صندوق النقد الدولي على ضرورة معالجة الاختلالات المالية وإصلاح الهياكل الاقتصادية في الكويت، لا سيما في ظل انخفاض عائدات النفط وتباين توقعات الطلب من الدول المستهلكة الرئيسية. ومع ذلك، تحتفظ البنوك الكويتية “باحتياطيات احترازية قوية”، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وتواجه الكويت انتقادات من المؤسسات المالية الدولية بسبب تنوعها الاقتصادي المحدود وانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي بلغ إجماليها 1.7 مليار دينار كويتي فقط (5.5 مليار دولار) بشكل تراكمي منذ عام 2015، بما في ذلك 207 ملايين دينار كويتي (675 مليون دولار) في السنة المالية 2023/2024.
الإمارات العربية المتحدة: مركز حيوي للاستثمار
تم تصنيفها على أنها رابع أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعد تركيا والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، ويقدر الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2024 بنحو 545 مليار دولار. وتشكل القطاعات غير النفطية في الإمارات نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن بين سكانها البالغ عددهم 9.5 مليون نسمة، 11% فقط هم من الإماراتيين. ويعتمد سوق العمل بشكل كبير على المغتربين، الذين يشكلون 85% من القوى العاملة البالغ عددها 6.7 مليون نسمة والذين يساعدون في تعزيز الاقتصاد المتنامي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، اجتذبت دولة الإمارات ما يزيد عن 30 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2023، مدفوعة بالتشريعات الصديقة للمستثمرين والفرص الوافرة في مجموعة متنوعة من القطاعات. كل هذا ساعد دولة الإمارات على التحول إلى وجهة استثمارية عالمية رئيسية.
عمان تدفع نحو التقدم
وقد اعترف صندوق النقد الدولي مؤخراً بالتوسع الاقتصادي المستمر في سلطنة عمان، والذي تدعمه الإصلاحات الأساسية. ومن المتوقع أن يصل النمو في عام 2024 إلى 1.2%، مع نمو القطاعات غير النفطية بنسبة 3.8% في النصف الأول من العام.
أعلنت وزارة المالية العمانية عن إيرادات بلغت 8.1 مليار ريال عماني (21 مليار دولار) بحلول نهاية أغسطس 2024. وتواصل البلاد تطوير القطاعات الحيوية مثل التصنيع والسياحة ومصايد الأسماك مع تعزيز التعليم المهني لتتوافق مع احتياجات سوق العمل.
قطر والبحرين: شهرة ونمو
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد القطري بنسبة 2% في عام 2024. وشهد الاقتصاد القطري، الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الحكومية، تطورات كبيرة في البنية التحتية استعدادًا لكأس العالم لكرة القدم 2022.
في حين أن الإيرادات السيادية لا تزال تعتمد على الغاز الطبيعي والنفط، فقد حققت قطر أعلى دخل للفرد في العالم بقيمة 115 ألف دولار في عام 2024 بسبب ناتجها المحلي الإجمالي المرتفع وقاعدة سكانية محدودة تبلغ 2.8 مليون نسمة، منهم 12٪ فقط قطريون.
وأشاد صندوق النقد الدولي بتحقيق البحرين معدل نمو 3% في 2024 رغم مواردها المالية المحدودة. وتم تسليط الضوء على الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد وتشجيع مشاركة القطاع الخاص، إلى جانب خطط تعزيز المنافسة وبناء اقتصاد فعال.
جني ثمار الإصلاح
تحتاج دول الخليج إلى المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر لتعزيز كفاءة القطاعات الرئيسية. ولتيسير ذلك، يتعين على الحكومات إصدار تشريعات تحفز الاستثمار الأجنبي المباشر. ولتحقيق هذه الغاية، قامت المملكة العربية السعودية بمراجعة قانون الاستثمار الخاص بها في 11 أغسطس لتحقيق تكافؤ الفرص بين المستثمرين المحليين والأجانب. وصلت الاستثمارات المباشرة إلى 11.7 مليار ريال سعودي (3.1 مليار دولار) في الربع الثاني من عام 2024، وتهدف السلطات إلى زيادة هذه الأرقام من خلال التنفيذ الشامل للقانون الجديد. وينبغي لدول الخليج الأخرى أن تحذو حذو المملكة العربية السعودية في هذا الصدد.
كما أن هناك حاجة إلى توحيد الأنظمة التنظيمية والضرائب والرسوم وإنفاذ الاتفاقيات الخاصة بالاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة. وينبغي أن تستمر الجهود الرامية إلى إنشاء اتحاد نقدي، فضلا عن تعزيز قطاعات التعليم في جميع أنحاء دول الخليج، الأمر الذي سيكون حيويا لتعزيز القوى العاملة الوطنية.