الأمم المتحدة: تقشف في المساعدات الإنسانية لعام 2025
تحديات التمويل الإنساني: التركيز على الفعالية في ظل أزمات متصاعدة
في ظل تصاعد الأزمات الإنسانية حول العالم، يواجه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) تحديات متزايدة في تأمين التمويل اللازم لتلبية الاحتياجات المتنامية. وأكد توم فليتشر، الرئيس الجديد للمكتب، على ضرورة اتباع نهج “صارم” في تحديد أولويات الإنفاق لضمان وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر احتياجاً.
يأتي هذا التصريح في وقت أطلق فيه المكتب نداءه العالمي لعام 2025، طالبًا فيه 47 مليار دولار أمريكي لتقديم المساعدة لحوالي 190 مليون شخص في 32 دولة. ورغم ضخامة هذا المبلغ، إلا أنه لا يغطي سوى جزء من الاحتياجات الإنسانية العالمية، حيث تشير التقديرات إلى أن 305 ملايين شخص حول العالم بحاجة إلى مساعدة. وتشمل المناطق ذات الأولوية سوريا (8.7 مليار دولار)، والسودان (6 مليارات دولار)، والأراضي الفلسطينية المحتلة (4 مليارات دولار)، وأوكرانيا (3.3 مليار دولار)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (3.2 مليار دولار).
ويعكس طلب التمويل لعام 2025 انخفاضًا مقارنةً بالعام الحالي، حيث يسعى المكتب إلى إظهار قدرته على التركيز واستهداف الموارد المتاحة بكفاءة، خاصة في ظل تزايد عدد الأزمات وشدتها وطول أمدها. ويأتي هذا التوجه في ظل تراجع ملحوظ في التبرعات المقدمة للمنظمات الإنسانية، بما في ذلك مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والصليب الأحمر الدولي، في السنوات الأخيرة. وقد أثّر هذا التراجع سلبًا على تقديم المساعدات في مناطق الصراع المزمنة مثل سوريا وجنوب السودان والشرق الأوسط والكونغو، بالإضافة إلى مناطق الأزمات الناشئة مثل أوكرانيا والسودان.
“العالم يحترق”: صعوبات الوصول وتراجع التمويل
وصف فليتشر الوضع الراهن بقوله “العالم يحترق وهذه هي الطريقة التي نطفئها بها”، مشيرًا إلى التحديات الجمة التي تواجه جهود الإغاثة. فعلى سبيل المثال، لم يتم تلبية سوى 43% من نداء المكتب لعام 2024 البالغ 50 مليار دولار حتى الشهر الماضي. وقد أدى هذا النقص إلى تقليص المساعدات الغذائية المقدمة لسوريا بنسبة 80%، في وقت تشهد فيه البلاد تصعيدًا خطيرًا في القتال. كما تواجه عمليات الإغاثة صعوبات كبيرة في الوصول إلى المحتاجين في بعض المناطق، لا سيما السودان وغزة.
وأكد فليتشر على أهمية “الصرامة” في توزيع الموارد المتاحة، مشيرًا إلى أن هذا النهج يهدف إلى تحقيق أقصى قدر من التأثير في ظل محدودية التمويل. وأوضح أن هذه “الصرامة” تعكس إدراك المكتب لصعوبة جمع التبرعات في السنوات الماضية. وتوزع هذه الأموال على وكالات الأمم المتحدة وأكثر من 1500 منظمة شريكة.
نظرة نحو المستقبل: حشد الدعم الدولي
يعتزم فليتشر تكثيف جهوده لحشد الدعم الدولي للعمل الإنساني، لافتًا إلى نيته قضاء وقت طويل في واشنطن خلال الأشهر المقبلة للتواصل مع الإدارة الأمريكية. وأقرّ فليتشر بأن بعض الحكومات قد تبدي تشككًا في عمل الأمم المتحدة وتقلل من دعمها للجهود الإنسانية، مما يزيد من أهمية التواصل والحوار.
يأتي ذلك في وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا في العنف ضد العاملين في المجال الإنساني، حيث سجل عام 2024 أعلى عدد من الضحايا بين صفوفهم، ويعزى ذلك بشكل كبير إلى الصراعات في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023. ويؤكد هذا الواقع على ضرورة تضافر الجهود الدولية لحماية العاملين في المجال الإنساني وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين في جميع أنحاء العالم.