بصمة ترامب: كيف أعاد تشكيل السياسة الأمريكية؟
## ترامب يرسم ملامح السياسة الأمريكية: هل تستطيع هاريس الفكاك؟
قد تبدو السياسة الأمريكية ساحة صراع بين نهجين متعارضين، أحدهما يمثله دونالد ترامب والآخر تمثله كامالا هاريس. لكن نظرة فاحصة على مواقفهما، خاصة في المجالين الداخلي والخارجي، تكشف عن تداخل مذهل يثير التساؤل: هل تستطيع هاريس حقًا الفكاك من إرث ترامب السياسي؟
بصمات ترامب على أجندة هاريس الداخلية
لنأخذ على سبيل المثال ملف الهجرة. تدعم هاريس مقترح إصلاح يعتبر الأكثر تحفظًا في تاريخ الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ويتضمن بنودًا صارمة مثل وقف طلبات اللجوء في أوقات تدفق المهاجرين غير الشرعيين. أما في السياسة التجارية، فتتبنى هاريس، مع بعض التعديلات، معظم الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب خلال فترة رئاسته الأولى. وعلى صعيد الضرائب، ستبقي هاريس على معظم التخفيضات التي أقرها ترامب عام 2017، مع زيادة طفيفة في الضرائب على من يتجاوز دخلهم 400 ألف دولار. وحتى في مجال الطاقة، انضمت هاريس إلى ركب التكسير الهيدروليكي، وكانت جزءًا من إدارة سجلت أعلى معدلات إنتاج للنفط والغاز في تاريخ الولايات المتحدة.
قد يبدو هذا التقارب مع سياسات ترامب غريبًا للوهلة الأولى، لكن له دلالاته السياسية. فقد نجح ترامب في اختراق القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي من خلال استهدافه للنقابات العمالية وإلغائه لخطط الجمهوريين لتقليص الإنفاق على الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية. وفي ظل نظام انتخابي يعتمد على عدد قليل من الولايات المتأرجحة، يبدو أن هاريس تحاول استمالة الناخبين من خلال تبني مواقف قريبة من ترامب. لكن النتيجة المقلقة هي أن المرشح الذي خسر الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذي مني حزبه بهزيمة في انتخابات التجديد النصفي عام 2018، لا يزال يفرض أجندته على المشهد السياسي الأمريكي.
سياسة خارجية واحدة بوجهين؟
لا يقتصر تأثير ترامب على السياسة الداخلية فحسب، بل يمتد ليشمل السياسة الخارجية أيضًا. فبينما تدعي هاريس تبني نهج قائم على القيم والتحالفات، تُظهر مواقفها تقاربًا لافتًا مع نهج ترامب الذي يركز على المصالح الأمريكية الضيقة. فعلى سبيل المثال، أثار ترامب مخاوف حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بسبب مواقفه المتقلبة. ورغم أن هاريس لا تشارك ترامب نفس اللهجة العدائية، إلا أن إدارتها اتخذت إجراءات صارمة تجاه الصين، كحظر تصدير التكنولوجيا وفرض رسوم جمركية باهظة على السيارات الكهربائية الصينية. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، عارضت هاريس ضغوطًا من داخل حزبها لوقف الدعم العسكري لإسرائيل، كما أنها لا تبدي حماسًا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي مزقه ترامب. بل ذهبت إلى حد وصف النظام الإيراني بأنه “أكبر عدو لأمريكا”، وهو خطاب لا يختلف كثيرًا عن خطاب ترامب.
في الختام، يبدو أن شبح ترامب لا يزال يخيم على السياسة الأمريكية، حتى مع وجود إدارة جديدة بقيادة جو بايدن وكامالا هاريس. فقد نجح ترامب في تحويل دفة الخطاب السياسي نحو اليمين، مما اضطر خصومه إلى تبني مواقف قريبة من مواقفه للفوز بأصوات الناخبين. يبقى السؤال: هل ستتمكن هاريس من الفكاك من هذا الإرث الثقيل ورسم مسار جديد للسياسة الأمريكية؟