صراع النفوذ: حرب إسرائيل وحزب الله تُشعل مواجهة أمريكية إيرانية على مستقبل لبنان
لبنان ساحة صراع بين إيران وأمريكا على وقع الحرب مع حزب الله
بيروت: مع دخول الحرب بين إسرائيل وحزب الله شهرها الثاني، يجد لبنان نفسه محاصرًا في مواجهة محتدمة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تسعى كل منهما لرسم مستقبل البلاد بما يتماشى مع مصالحها.
يُعتبر حزب الله، المدعوم عسكريًا وماليًا من قِبل إيران، القوة الإقليمية الأبرز في لبنان، وقد هيمن على المشهد السياسي والأمني لفترة طويلة. إلا أن نفوذه بات موضع تساؤل بعد الضربات الإسرائيلية الموجعة التي استهدفت بنيته التحتية، مما أدى إلى تراجع قوته بشكل ملحوظ.
يقول مايكل يونغ، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن خسائر حزب الله وضعت لبنان في “مواجهة شديدة بين إيران والولايات المتحدة”. ويضيف في تصريح لوكالة فرانس برس: “يحاول الإسرائيليون، بدعم من الأمريكيين، استخدام القوة العسكرية لتغيير ميزان القوى في لبنان لصالحهم”. ويتابع: “لا توجد مؤشرات على أن الإيرانيين سيقبلون بذلك دون قتال”.
وتُعدّ ترسانة حزب الله العسكرية أقوى من الجيش اللبناني، كما أنه يبقى الفصيل الوحيد الذي لم يُسلّم سلاحه بعد الحرب الأهلية (1975-1990). ففي العام الماضي، فتح حزب الله جبهة جديدة مع إسرائيل على خلفية الصراع في غزة، دعماً لحليفته حركة حماس.
ورغم حرصه على تجنب صراع شامل مع إسرائيل، إلا أن المواجهة العسكرية اندلعت في 23 سبتمبر الماضي، عندما صعّدت إسرائيل من قصفها لمواقع حزب الله، بما في ذلك الضاحية الجنوبية لبيروت.
ودفعت الولايات المتحدة باتجاه وقف إطلاق النار، لكنها أعربت في الوقت ذاته عن دعمها للمحاولات الإسرائيلية “لتقويض قدرات حزب الله”. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن “من الواضح أن الشعب اللبناني له مصلحة قوية في أن تؤكد الدولة سيادتها وتتحمل مسؤولية مستقبل البلاد”.
أهداف متباينة
من جهتها، ترى كيم غطاس، مؤلفة كتاب “الموجة السوداء”، أن “لبنان عالق بين إيران وحزب الله من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى”. وتضيف أن “رؤية واشنطن لا تتماشى بالضرورة مع رؤية إسرائيل فيما يتعلق بأهداف الحرب وتكتيكاتها”.
وتوضح غطاس أن “الولايات المتحدة ترغب بالتأكيد في إضعاف حزب الله، وربما حتى نزع سلاحه، لكنها حذرة من مغالاة إسرائيل في حملتها العسكرية”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد حذّر لبنان من أنه قد يواجه دمارًا “مثل غزة”، مؤكداً أن إسرائيل ستواصل قتال حزب الله حتى تأمين حدودها الشمالية. وقال نتنياهو في 8 أكتوبر: “أقول لكم، يا شعب لبنان: حرروا بلدكم من حزب الله حتى تنتهي هذه الحرب”.
وتعتقد غطاس أن إيران “تريد الحفاظ على ما تبقى من نفوذها في لبنان وضمان بقاء النظام”، في إشارة إلى الجمهورية الإسلامية. وتضيف: “إنها بحاجة إلى التحرك بحذر بين الاستمرار في دعم حزب الله… وإرسال إشارات تُظهر استعدادها للدبلوماسية”.
وقد أثارت تدخلات إيران انتقادًا لبنانيًا نادرًا الأسبوع الماضي، حيث اتهمها رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، بـ “التدخل السافر” على خلفية تصريحات نُسبت لمسؤول إيراني بشأن شروط وقف إطلاق النار.
واتهم ميقاتي إيران بمحاولة ”فرض وصاية غير مقبولة على لبنان”، بعد أن نقلت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية عن رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، قوله إن حكومته مستعدة للتفاوض بشأن تنفيذ قرار الأمم المتحدة لعام 2006 الذي يدعو إلى نشر الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فقط في جنوب لبنان.
الانتخابات الرئاسية: اختبار حاسم
مع اقتراب الحرب بين إسرائيل وحزب الله من إكمال شهرها الثاني، تصاعدت الدعوات في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية بعد شغور المنصب لنحو عامين بسبب جمود المشهد السياسي.
وكان الرئيس الأخير، ميشال عون، حليفًا لحزب الله، مما يجعل الانتخابات الرئاسية اختبارًا للتوجهات السياسية في البلاد.
وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس، قال ميقاتي إن جهودًا جادة تُبذل لانتخاب رئيس، تماشيًا مع دعوات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
كما وجّه العديد من القادة السياسيين في لبنان دعوات حذرة لانتخاب رئيس جديد، محاولين تجنب إعطاء انطباع بأنهم يستغلون نكسة حزب الله لتحقيق مكاسب سياسية.
ويقول يونغ: “تدرك الأطراف اللبنانية المعادية لحزب الله أن الوضع دقيق للغاية”. ويضيف: “إنهم لا يريدون استفزاز الطائفة الشيعية، التي تشعر بالفعل بالإهانة والغضب والعزلة، ولنتذكر أنها مسلحة”.
وفي حين ازدادت حدة الشكوك بين الطوائف منذ أن أجبرت الحرب الإسرائيلية-حزب الله العديد من العائلات الشيعية على النزوح إلى مناطق ذات غالبية مسيحية، يخشى كثيرون من تكرار الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد لخمسة عشر عامًا.
كما أن الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 أعاد إلى الأذهان ذكريات مؤلمة للشعب اللبناني، وكان أحد العوامل التي أدت إلى نشوء حزب الله، أحد أشرس أعداء إسرائيل.
وتختم غطاس بالقول: “يبدو أن السياسيين في لبنان قد تعلموا دروس الماضي، لكن كلما طال أمد هذا الجمود الحالي والحرب، زادت صعوبة السيطرة على التوترات”.