تفشي الحصبة في المغرب: هل تردد اللقاح هو السبب؟
عودة الحصبة إلى المغرب: تحديات التطعيم ومخاطر التردد
شهد المغرب عودةً مقلقةً لمرض الحصبة، المعروف محليًا باسم ”بوحمרון”، مما أثار قلقًا بالغًا في الأوساط الصحية. فبعد أن كادت البلاد تقضي على هذا الفيروس المعدي قبل عقود بفضل حملات التطعيم المكثفة، عاد ليظهر بقوة في صيف العام الماضي، منتشرًا في مختلف أنحاء المملكة، ووصل حتى إلى أماكن الاحتجاز مثل السجون، مُصيبًا السجناء والموظفين على حد سواء.
بحلول الوقت الذي أعلن فيه المسؤولون عن الوباء، كانت الحصبة قد أُصابت ما يقارب 25,000 شخص، وراح ضحيتها حوالي 120 شخصًا. وقد دفعت هذه الأرقام المُقلقة الحكومة إلى إطلاق حملة تطعيم عاجلة بهدف الحد من انتشار الفيروس.
وأكد متحدث باسم وزارة الصحة لـ “العرب الجديد” أن المغرب كان قد دخل مرحلة القضاء على الحصبة، حيث انخفض معدل الإصابة إلى أقل من حالة واحدة لكل مليون شخص سنويًا. وأضاف: “لكننا الآن عدنا إلى مرحلة المكافحة، ويجب علينا التحرك بسرعة”.
ويرى الخبراء أن انخفاض معدلات التطعيم، إلى جانب الثغرات في المراقبة الوبائية وتردد بعض الأفراد تجاه اللقاحات، ساهم بشكل كبير في عودة ظهور الفيروس. وتُعد الحصبة من الأمراض شديدة العدوى، حيث تنتقل عن طريق الهواء عند السعال أو العطس. وفي غياب التطعيم الكافي، يمكن أن ينتشر الفيروس بسرعة هائلة، مُصيبًا ما يصل إلى 20 شخصًا لكل حالة.
التردد تجاه اللقاحات: عامل مُفاقم للأزمة
على الرغم من نجاح المغرب في السيطرة على الحصبة لسنوات طويلة من خلال التطعيم، إلا أن تراجع معدلات التطعيم في السنوات الأخيرة، خاصةً بين الأطفال، خلق فئات سكانية مُعرضة للإصابة. وقد انخفضت نسبة التغطية باللقاحات إلى أقل من 95%، وهي النسبة المطلوبة لمنع تفشي المرض، بل وصلت في بعض المناطق إلى 80% أو أقل، مما سمح للفيروس بالانتشار.
ويُشير الدكتور طيب حمدي، الطبيب والباحث في السياسات الصحية، إلى أن تفشي الحصبة ليس مجرد إحصائية، بل هو وباء حقيقي يتطلب تدخلاً عاجلاً. ويُشدد على أهمية تلقي جرعتين من لقاح الحصبة، الأولى في عمر تسعة أشهر والثانية بعد بضعة أشهر، لمنع حدوث مضاعفات خطيرة.
ويُلاحظ أن بعض الآباء يُهملون تطعيم أطفالهم ظنًا منهم أن الحصبة مرض من الماضي، بينما يرفض آخرون اللقاحات بشكل قاطع خوفًا من آثارها الجانبية. وهذه الظاهرة، كما يُشير حمدي، ليست جديدة، بل كانت موجودة قبل جائحة كوفيد-19، التي زادت من حدة التردد تجاه اللقاحات.
تحديات النظام الصحي وضرورة التوعية
يُواجه النظام الصحي المغربي، الذي يعاني بالفعل من نقص في الكوادر الطبية، ضغطًا متزايدًا بسبب ارتفاع عدد حالات الحصبة، التي تتطلب الكثير منها دخول المستشفى. ويتطور لدى حوالي 10% من المصابين مضاعفات خطيرة، مثل الالتهاب الرئوي أو مشاكل عصبية.
وقد شُبّه هذا الوباء بتعامل المغرب مع جائحة كوفيد-19، إلا أن مسؤولي الصحة يُشيرون إلى أن الحصبة أسهل في التتبع، لأنها تُظهر أعراضًا واضحة مثل الحمى، احمرار العينين، السعال، وطفح جلدي أحمر يسهل اكتشافه.
وتعمل السلطات المغربية حاليًا على احتواء الوضع، حيث أطلقت وزارة الصحة حملات توعية مُستهدفة للوصول إلى الأطفال غير المُطعمين، وحثت الجمهور على “الثقة بالعلم”. ويؤكد الدكتور حمدي أن التطعيم هو الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، مُحذرًا من أن عدم التحرك السريع سيؤدي إلى تكرار مثل هذه الأوبئة في المستقبل.